الفهرس 
الفصل الاوليوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام
 |  | from | 204 |  |  |
| | | from | 204 | | |
المستخلص
حظيت فلسفة الأخلاق بعناية وافرة من الباحثين و المفكرين في العصر الحديث , لأن الأخلاق من أهم الاساسيات التي تقوم عليها حياة الإنسان , فهي مشروع بشري يحقق حالة من السلم و التراحم والتعاون القائم علي قيم العدل و الخير و الحق , كما أنها عنصر ضروري لقيام الحضارات و تقدمها و تطورها .
إن علم الأخلاق والفضيلة متأصل في النفوس الإنسانية منذ اللحظة الأولى لوجود النوع البشري , الذي لم و لن يستطيع الاستغناء عن الفضيلة في أي خطوة و أي عصر ينتقل إليه .
فالأخلاق ضرورية للحياة البشرية واستقرارها وتطورها وأهم السبل للعيش بسلام , كما أنها تعمل على زيادة التوافق و التناغم و التعايش بين الأفراد و الجماعات بعضها مع بعض , و التعاون بين أفراد المجتمع مما ينتج عنه الشعور بالانتماء والسعادة , فالأخلاق تعطي لحياة الإنسان معناها وقيمتها .
و تحديد مفهوم الأخلاق من الأساسيات التي يجب البدء بها لتحديد الهدف و الغاية منها , و كذلك تحديد مسار كل فيلسوف في مذهبه الأخلاقي الخاص و الذي يتغير من فيلسوف لآخر و من مذهب إلى آخر , فالأخلاق هي فن توجيه السلوك البشري , و عنوان الشعوب و أساس قيام الحضارات .
و بتعدد الفلاسفة و تعدد الأفكار و الآراء تعددت المذاهب الأخلاقية بين النظر و العمل و انقسم الفلاسفة بين أن الأخلاق نظرية تناشد المثل العليا أم أنها عملية و واقعية تتمثل في حياة الأفراد و الجماعات, و من هنا نتجه فيما يلي لنوضح مفهوم الأخلاق و طبيعتها في مذهب عادل العوا الأخلاقي , كما نسعى لتوضيح اتجاهه في الأخلاق هل كانت الأخلاق في مذهبه نظرية بحته أم كانت الأخلاق واقع حي يعيشه كل فرد أم كان يعمل عادل العوا على الجمع بين الفطرة و الاكتساب أو بين النظر و العمل في الأخلاق ؟
لقد سعى عادل العوا منذ البداية في فكره وفلسفته إلى بناء مذهب أخلاقي معاصر متكامل يهدف إلى ترسيخ الاخلاق في الفكر العربي المعاصر , ومحاولًا بناء مذهب أخلاقي يرتقي بالأمة العربية وذلك لإيمانه الشديد بأن الأخلاق هي أساس قيام الحضارات وتطور الشعوب وازدهارها .
فيقدم لنا عادل العوا مذهب أخلاقي متكامل ويضفي عليه فكره و روحه محاولًا الجمع بين الأخلاق النظرية والأخلاق الواقعية ( العملية ) لمعالجة الفجوة الموجودة بين المذاهب النظرية والمذاهب العملية , و ذلك لتباعد المسافة بينهما في الوقت الراهن ومعالجة اتساع الهوة الفارغة بينهما .
و يذهب عادل العوا في الاتجاه الثالث وهو الجمع بين المذهب النظري والعملي في المذاهب الأخلاقية , وذلك للارتقاء بالإنسان وتحقيق التوازن بين العقل والواقع والمعادلة والتوفيق بين النظريات الأخلاقية ليعيش الإنسان واقع أخلاقي محكم , ليس نظري بحت ( مثالي ) صعب تحقيقه على أرض الواقع و ليس حسي مفرط يجمح بالإنسان ويؤدي إلى مجتمع يسوده الخلل الأخلاقي وسعي كل فرد تجاه غريزة فطرية غير محكمة وتقود الإنسان إلى هلاكه وهلاك المجتمعات .
و نقف اليوم أمام جُهد ونتاج فكري كبير ومهم لأحد أعلام الفكر العربي , وخاصةً أهم أعلام فلسفة الأخلاق في الفكر العربي المعاصر , رحل عنا منذ عقدين حيث توفي عام 2002 م , رحل بجسده وبقي لنا الأثر العلمي والفكري والفلسفي , فوضع أساس قوي ومهم في مجال فلسفة الأخلاق, وطريق مهد له للسير من بعده على خطاه وإكمال مسيرته الأخلاقية وإكمال السير في بناء مذهبه في فلسفة الأخلاق .
كما أن عادل العوا من الجيل الأول الذي وضع حجر أساس الدراسات الأدبية والفلسفية في الجانعة السورية, وتخرجت على يديه أجيال كثيرة جدًا من المفكرين والباحثين الذين يشغلون مكانًا أساسيًا من الفكر العربي المعاصر , فله مكانه مرموقه بين أبناء جيله لما قدمه من فكر وثقافة للفكر العربي .
ولكن أهمية عادل العوا على هذا الصعيد تكمن في إدراكه وإصراره على أهمية الاتِصال والحوار في نَقلِ المعارف والقيم؛ لأن الحوار وحده الكفيل بترسيخ المعرفة وتقويمها وقيادتها الوجههَ الأكثر صواباً، وبالحوار يُعرف الغث من السمين، وبالحوار تثار المواهب وتنشط القرائح .
والحقيقة أن أثر الفيلسوف عادل العوا بالغ في مجال فلسفة الأخلاق, فقد كرس حياته وفكره وفلسفته في اتجاه واحد بذل فيه جهده كله وأنتج كم هائل من المؤلفات في فلسفة الأخلاق وأغنى بها الفكر العربي وأثري بها الباحثين في فلسفة الأخلاق, كما كان له أثر واضح في مجال الترجمة وخاصةً في مجال فلسفة الأخلاق التي بها نقل الفكر الغربي الحديث من خلال التأليف والترجمة بالعديد من المؤلفات القيمة التي تسهم في تطور ورقي الفكر العربي.
عادل العوا الفيلسوف العربي السوري الذي عاش وكرس حياته لإرتقاء الوطن العربي وخاصةً في الجانب الأخلاقي, وولد العوا في حقبة زمنية تشوبها الحروب والثورات على الأوضاع الثابتة وكذلك ثورة علمية وفلسفية وأخلاقية, حيث اختارالعوا الجانب الأخلاقي للبحث فيه والإضافة إليه والاستمرار في تطور الفكر الأخلاقي, وكانت حياة الفيلسوف عادل العوا أحق مثال على فكره فكانت حياته توظيف لفكره وما عُرف عنه من دماثة خلق واستقامة نادرة المثال وهجر وبعد عن الخصومات , فيعد مثال حي للمواطن الصالح الواعي وقدوة لغيره من الباحثين.
إن ما حققه عادل العوا ووصل إليه في فلسفة الأخلاق يستحق الدراسة و العناء به و محاولة إيضاح فلسفته الأخلاقية وفكره وذلك لتميزه في مجال فلسفة الأخلاق وفلسفة القيمة, فعمل جاهدًا لبناء مذهب أخلاقي متكامل يجمع بين النظر والعمل والقيام بتأسيس علم أخلاقي ولكن غير منفصل عن الفلسفة, وسعى عادل العوا لتمهيد الطريق لإقامة أخلاق شخصانية قائمة على الواقع ونشاطه, حيث كان ذلك انعكاسًا للوضع الذي عاشه هذا المفكر واطلاعه الزخم على الثقافة الفرنسية عامة والدراسات والأبحاث الأخلاقية خاصة, وجعلت من فكر عادل العوا متنورًا فاحصًا ومستقصيًا عن الحقيقة الموضوعية.
وتُعد فلسفة عادل العوا هي فلسفة خاصة به حيث تنطوي على تجربته الذاتية, وتتضح وجودية الفيلسوف عادل العوا بدعوته إلى أن الإنسان ينشد لنفسه صُنعًا وابتكارًا لطبيعته, مُغيرًا ومحورًا للطبيعة المعطاة, حيث أتخذ الفيلسوف عادل العوا من الجانب الإنساني الاهتمام بالإنسان منطلقًا نحوه, من أجل فهم الواقع وفهم وجود الإنسان فيه, بعد أن دَلف في محراب الفلسفة متخذًا من القيمة الأخلاقية معراجًا, حيث اهتم بالجانب الأخلاقي تأليفًا وترجمة, فقام المذهب الأخلاقي لعادل العوا على شخصانيتهوذاته الفردية,ويتجه بحثه عن الإنسان الأخلاقي, بأنه هو الأساس الذي يقوم عليه المذهب الأخلاقي, وهو الوحدة القياسية التي تتمثل