Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة الدول غير الأطراف/
المؤلف
أبو طه، زياد سعد محمود.
هيئة الاعداد
باحث / زياد سعد محمود أبو طه
مشرف / ابراهيم محمد العنانى
مناقش / حازم عتلم
مناقش / حسين حنفى عمر
مشرف / محمد رضا الديب
الموضوع
المحاكم الجنائية - القانون الدولى.
تاريخ النشر
2014.
عدد الصفحات
906ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2014
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - القانون الدولى العام
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 912

from 912

المستخلص

في سياق البحث والتحليل ا لمعمق لمدي اختصاص المحكمة الجنائية
الدولية في مواجهة الدول غير الأطرا ف، وقفنا على دقائق هذه العلاقة
بتفصيلاتها وتفرعاته ا. ووقفنا علي أن هذه المحكمة كونها اتفاقية دولية
وتناولنا الأسس القانونية والفقهية للخروج علي هذا المبدأ من حيث السريان
علي الدول غير الأ طراف وقارنا بينها وبين ما هو قائم فع ً لا في الأنظمة
القضائية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة،كما أشرنا –كلما وجدنا ضرورة
لذلك-إلى ما كان عليه الحال في الأنظمة القضائية للمحاكم الجنائية الدولية
المؤقتة السابقة في نورمبرغ وطوكيو. ويوغسلافيا السابقة وروندا وكذلك إلي
دور مجلس الأمن في الإحالة وإرجاء التحقيق والمقاضاة ومدي تعارض
اتفاقيات الإفلات من العقاب التي تصوغها الولايات المتحدة الأمريكية للنظام
الأساسي للمحكمة وحول الإحالات في قضية السودان وليبيا ومدي تعاون
الدول في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريق يا الوسطي وأوغندا
في تقديم المتهمين بجرائم دولية إلي ساحة المحكمة، وكذلك حول القضية
الفلسطينية والساحة الخصبة لعمل المحكمة ونظامها الأساسي من جرائم
ترتكب يوميا، وحول الجرائم التى تختص بها المحكمة وماهية إختصاصها
التكميلي ،وبما أن النظام الأساسي للمحكمة قد اشتركت في صياغته كيانات
سياسية مختلفة في الأيدلوجيات والمصال ح.لذلك كانت قواعده توفيقية في
الغالب،وهذا ما يجعله أرضًا خصب ً ة للنق د. لهذا السبب وجدنا في هذا النظام
مواطن عدة تستوجب إبداء الرأي ، سواء منها بالتأييد أو النقد البنا ء.ولعل أهم
النتائج والمقترحات التي توصلنا إليها ما يأتي:
أولاً: إن أهم المبررات التي استند إليها إنشاء المحكمة عن طريق
إبرام اتفاقية دولية خاصة هو الأخذ بعين الاعتبار إلي حساسية مسالة
- ٨٥٢ -
الاختصاص الجنائي الوطني التي تستند إتاحة الفرصة لجميع الدول للبت في
قبول أو عدم قبول النظام الأساسي للم حكمة واختصاصها، فالآليات القائمة
بما فيها الهيئات القضائية لتسوية المنازعات التي تقع بين الدول تستند إلي
مفهوم الدول ذات السيادة والعلاقات بين الدول . وانطلاقا من هذه الحقيقة لم
يكن بالإمكان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية كجهاز تابع لمحكمة العدل
الدولية عل ي الرغم من أن المادة ” ٩٢ ” من ميثاق الأمم المتحدة قد عرفت
محكمة العدل الدولية علي أنها الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة مما
يعني أنها تركت المجال مفتوحا أمامها لوجود هيئات قضائية أخرى.
ويعود ذلك بان لقرارات المحكمة الجنائية الدولية آثارا مباشرة علي
الدول وأكثر عمقا من قرارات هيئة تحكيم مختصة بتسوية المنازعات بينهما،
أي اكبر مما يكون لمحكمة العدل الدولية التي تتمتع باختصاص ملزم في
بعض الحالات، فهناك فارق كبير بين محكمة العدل الدولية والمحكمة
الجنائية الدولية ويتجلي ذلك في أن هذا الاختصاص الملزم لمحكمة ا لعدل
الدولية يؤثر علي الدول في علاقاتها بعضها ببعض بوصفها دول ذات سيادة،
بينما يؤثر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية علي سيادة الدول في الاستئثار
بالسيطرة التي تمارسها علي رعاياها . فسيادة الدول ستخترق من جراء هذا
الاختصاص حينما يمكن أن يحال بعض من كبار موظ فيها إلي المحكمة
لمحاكمتهم أو لإدانتهم عندما يقتضي الآمر ذلك
ويتجلي ذلك بوضوح التقييد من السيادة التي تمارسها الدولة علي
رعاياها وعلي القاطنين فيها إذا ما علمنا بان من الأشخاص الذين يمكن
إحالتهم إلي المحكمة ومحاكمتهم وإدانتهم وإلزامهم بتنفيذ العقوبة رئيس الدولة
أو رئيس الوزراء، أو القائد ا لأعلى للقوات المسلحة أو وزير الدفاع في هذه
الدولة أو تلك وان إجراء كهذا لا يمكن تصوره بالفعل إلا عندما تكون الدولة
- ٨٥٣ -
قد دعيت سلفا إلي التوقيع علي المعاهدة التي تنشئ مثل هذه المحكم ة
والتصديق عليها
نخلص مما تقدم إلي انه يصعب تصور أن تملك الأمم المتحدة
الاختصاص بإنشاء محكمة جنائية دائمة ذات طابع دولي ،، وينصرف هذا
أيضا إلي إمكانية دمج المحكمة في هيكل الأمم المتحدة، لان ذلك يعني ضمنا
أن تصبح الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تلقائيا أطرافا في النظام الأساسي
للمحكمة ،، لذا فانه من ا لأنسب أن تكون المحكمة هيئة مستقلة دون الالتفات
عن حقيقة ضرورة وجود رابط ة وثيقة بين الأمم المتحدة والمحكمة ،،
وانطلاقا من جميع الأسباب التي تقدمت فان الآلية التي اعتمدت لإنشاء
المحكمة هي معاهدة دولية . مع الإقرار بان هذه الآلية ليست مثالية ،و بقاء
الخشية من أن تؤدي هذه الآلية لاستئثار بعض الدول بسلطة قضائية تكون
تابعة لها، ويبدو أن النظام الأساسي قد حرص علي التخفيف من غلواء هذه
المثالب وذلك من خلال تخويل مجلس الأمن صلاحية الإحالة إلي المحكمة
ومنح هذه الإمكانية للدول غير الأطراف في نظام المحكمة الأساسي،
إضافة إلي العدد الغير قليل من الدول الذي اشترطه النظام لبدء نفاده
ومن ناحية أخري حرص النظام الأساسي للمحكمة علي النص علي
تنظيم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة
ويتبين أن العلاقة بين المحكمة وبين الأمم المتحدة التي اخذ بها
النظام الأساسي هي عبارة عن حل وسط ب ين موقف أولئك الذين أعلنوا
رغبتهم في إنشاء محكمة تابعة للأمم المتحدة بصورة كاملة وبين من يرى
بأنه لا غني في أي حال عن إقامة صلة بين المحكمة والأمم المتحدة ،، فالكل
متفق ع لي انه لابد من وجود هذه العلاقة لكي تكون المحكمة هيئة قضائية
للمجتمع الدولي وليس لعدد محدود من الدول .
- ٨٥٤ -
ثانياً: إن طبيعة العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة
كانت إحدى أهم المحاور التي أُثير حولها الكثير من النقاش في أروقة لجنة
القانون الدولي واللجنة التحضيرية للمحكمة عند إعداد مشروع نظامها
الأساسي،فتم التوصل إلى اتفاق يقضي بأن تكون المحكمة مستقلة عن الأمم
المتحدة،على أن تربطها بها علاقة تعاون متعدد الجوانب تنظمه اتفاقية خاصة
ويمكن تقسيم أوجه تلك العلاقة إلى التعاون الإداري والمالي،والتعاون
الإجرائي والتعاون التشريعي والتعاون القضائي، حيث يشمل التعاون
الإجرائي تقديم المعلوما ت للمحكمة ورفع الامتيازات والحصانات الخاصة
بموظفي الأمم المتحدة في حالة اتهامهم بارتكاب جرائم دولية،وتعاون
المحكمة مع الأمم المتحدة في حالة ارتكاب جرائم ضد موظفي الأمم
المتحدة،أما أوجه التعاون التشريعي بين المحكمة والأمم المتحدة، فتشمل دور
الأمم المتحدة في إعداد وتعديل التشريعات الخاصة بالمحكمة الجنائية
الدولية،ودور محكمة العدل في تفسير النظام الأساسي للمحكمة الجنائية
الدولية. أما أوجه التعاون القضائي بين المحكمة و الأمم المتحدة، فتشمل
تحريك الدعوى من مجلس الأمن،و سلطة مجلس الأمن في التدخل بإجراءات
التحقيق أو المحاكمة، و دور مجلس الأمن في التدخل ف ي حالة عدم استجابة
الدول لطلبات المحكمة، وكذلك دور مجلس الأمن في تقرير وجود حالة
العدوان،تلك الجريمة التي لم تدخل حيز التنفيذ ولم يتفق على وضع تعريف
لها لحد كتابة هذه السطو ر. ولقد بدا واضحا أن العقبة الأكبر التي يمك ن أن
تحول دون تفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في نظر جريمة العدوان
هو الخلاف حول تحديد دور مجلس الأمن وعلاقت ه بالمحكمة بصدد هذه
الجريمة علي وجه التحديد، حيث ثار صراع بين الدول الكبرى دائمة
- ٨٥٥ -
العضوية في مجلس الأمن التي ترغب في تكريس المزايا والسلطات في آلية
عمل المحكمة بشكل يخضعها لهيمنة مجلس الأمن وهو ما رفضته غالبية
الدول الأخ رى التي رغبت في التأكيد علي استقلالية المحكمة وسعت جاهدة
لكي يكفل نظام روما الأساسي هذه الاستقلالية، وبهذا فقد سعت الدول إل ى
الفصل بين دور مجلس الأمن كجهاز سياسي ودور المحكمة كجهاز قضائي .
وقد بدا الخلاف واضحا بصدد العديد من القضايا الت ي أثيرت،
وأهمها دور مجلس الأمن في إثبات وقوع العدوان وانعكاس ذلك علي
مباشرة المحكمة لاختصاصها بنظر هذه الجريمة، ولحسم هذه القضية قدمت
اقتراحات عديدة وأبديت وجهات نظر متنوعة منذ بداية العمل لإنشاء
المحكمة، فقد جاء في مشروع النظام الأساسي لإنشاء المحكمة أنه ” لا يجوز
تقديم شكوى عن عمل من أعمال العدوان أو تتصل مباشرة بها بموجب هذا
النظام الأساسي ما لم يقرر مجلس الأمن أولا أن دولة ما قد ارتكبت العمل
العدواني موضوع الشكوى الأمر الذي أثار انقساما واضحا بين الدول
المشاركة في المؤتمر بين مؤيد ومعارض .
ثالثا: إن إيجاد مبدأ قانوني موحد يبني علي أساسه سريان المعاهدا ت
التى ترتب حقوقا للدول الغير أمرا ليس من السهل تحديده لتعلقه بعدد من
المبادئ القانونية المختلفة، فهناك قضايا خاصة وأحوال معينة تتطلب تحديد
الأساس الذي يحكم هذا الخروج الظاهر عن المبدأ العام بعدم السريان .
إن الاعتقاد السائد هو أن هناك ثلاث أو أربع مبادئ يبني عليها
الأساس القانوني لذلك وهذه المبادئ هي مبدأ الرضا والمبدأ المتعلق
بالالتزامات التلقائية للحقوق والواجبات وهناك مبدأ احترام الاتفاقيات الدولية
القانونية النافذة والمشروعة.
- ٨٥٦ -
وبعض المعاهدات التي تتكون بموجبها آثارا قانونية علي الدول الغير
ومنها المعاهدات الشارعة التي تنص علي قواعد جديدة للسلوك الدولي في
المستقبل أو تؤكد أو تعرف أو تلغي قواعد تعاقدية أو عرفية موجود ة، وكذلك
معاهدات التسويات الدائمة ال تي يعتقد غير الأطراف بملائمة تبنيها في الوقت
الذي يكون فيه ا الأطراف المتعاقدين قد سمحوا له م، كما أن إمكانية منح
الحقوق بإعلان من جانب واحد قد أقرت في القانون الدولي منذ زمن بعيد،
وعلي ذكر المواثيق الجماعية نذكر بأن المعاهدات الجماعية العامة تفرق عن
بقية ال طوائف من حقيقة كونها ترمي إلى تحقيق أوسع ما يمكن من المساهمة
وقد تكون مساهمة شبه عالمية، إن بعض المعاهدات الجماعية قد قبلت علي
نطاق واسع من قبل دول العالم إلى حد يمكن القول بان هذه المعاهدات قد
قبلت بشكل جماعي من قبل دول ليست أطرافا فيها ولم تعترض عليها
صراحة.
ولقد اختلف الفقه والقضاء والعمل الدولي حول فكرة المراكز
الموضوعية، وحول أنواع المعاهدات التي يمكن أن تتولد عنه ا مراكز
موضوعية، فذهب رأي ... إلي أن بعض المعاهدات التي يقصد أطرافها أن
تسري اتجاه الكافة إنما تولد آثارا موضوعية وذكروا كأمثلة لذلك حالات
ومعاهدات تختلف كثيرا عن بعضها سواء في طبيعتها أو نطاقها أو صفتها
أو أصلها، ومما ذكروه في ذلك معاهدات الصلح والتسويات الدولية،
ومعاهدات الحياد ومعاهدات عدم تحصين أو نزع سلاح بعض المناطق و
معاهدات تعيين الحدود ومعاهدات التنازل عن الأقاليم، والمعاهدات التي تقرر
حرية الملاحة في بعض الأنهار أو الممرات المائية الدولية والمعاهدات التي
تقرر الانتداب أو الوصاية علي الأقاليم، والمعاهدات التي تنشئ دولة جديدة
أو منظمة دولية، وذكر الفقي ه جور ج سل .. أن المراكز الموضوعية الت ي
- ٨٥٧ -
تقررها بعض المعاهدات تمتد آثارها إلي الدول الغي ر إذا كان واضعوها في
حالة تمكنهم من فرض احترام هذه المراكز لدرجة تجعلها غير قابلة للمناقشة
في معظم الأحوال.
إن القانون الدولي قد أخذ يق رر بأن لبعض المعاهدات صفة
موضوعية، و من المعاهدات المنشئة لمراكز موضوعية تلك التي تنشئ دولة
أو منظمة وتمنحها الشخصية القا نونية الدولية، فإن مثل هذه المعاهدات تولد
آثارا موضوعية تفرض نفسها علي الكافة، بالإضافة إلي الحقوق والالتزامات
التي ترتبها علي دول غير أطراف فيها، منها الدولة الناشئة نفسها والت ي لا
تعتبر طرفا في المعاهدة المنشئة لها، لأنها لم تكن قد نشأت بعد عند إبرام
المعاهدة، ومن الدول الهامة التي أنشأت بموجب معاهد ة” بلجيكا” التي اهتمت
الدول الكب رى وقتئذ بأمر استقلاله ا وفصل إقليمها عن هولندا، وفرضت
المعاهدة التزاما علي باقي الدول الأوروبي ة غير الأطراف فيها – بعدم
مهاجمة بلجيكا وباحترام حيادها ،كما ألزمت معاهدة سنة ١٨٣٩ ب لجيكا –
وهي غير طرف فيها – باحترام كافة المعاهدات والتسويات التي أبرمت في
أوروبا قبل إنشائها
وأيضا معاهدة برلين المبرمة في ١٣ يوليه ١٨٧٨ والت ي أنشأت
بواسطتها بلغاريا و رومانيا والصرب وقضت باستقلالها عن تركيا، ولم
يعترض أحد من مندوبي الدول الأخرى في المؤتمر مما يدل علي تسليمهم
بهذه القاعدة وكذلك، مدينة الفاتيكان التي أنشأت وفقا لمعاهدة لاتران سنة
١٩٢٨ ، وأيضا جمهورية ألمانيا الاتحادية التي أنشأت بموجب اتفاقية لندن
. في ٤ يونيه سنة ١٩٤٨
ولقد سلم الفقه الدولي بالتزام الدول الغير باحترا م وضع الحياد الدائم
طالما ت م إعلانها بالمعاهدة المنشئة للحياد ولم تعترض عليه ،إذ أن المعاهدة
- ٨٥٨ -
المنشئة للحياد الدائم تتضمن قاعدة موضوعية من قواعد القانون الدولي
الملزمة للدول غير الأطراف كما هي ملزمة للدول الأطراف فيها، ومن
الدول التي وضعت في حالة حياد دائم سويسرا سنة ١٨١٥ ، وبلجيكا من سنة
، ١٨٣١ حتى سنة ١٩١٩ ، ولوكسمبرج من سنة ١٨٦٧ إل ى سنة ١٩١٩
ومدينة الفاتيكان سنة ١٩٢٩ ، والنمسا سنة ١٩٥٥
وفيما يتعلق باتفاقيات الممرات المائية نجد مصر والتي لم تكن طرفا
في اتفاقية القسطنطينية ١٨٨٨ حيث ألتزم ت بكافة نصوصها ولقد حرصت
مصر في جميع الظروف علي مراع اة نصوص الاتفاقية وتطبيقها حتى بعد
تأميم القناة، وهذا ما دعا معظم الفقهاء إلي التسليم بأن اتفاقية القسطنطينية
تعتبر من المعاهدات المرتبة لأوضاع قانونية دائمة، وبالتال ي فإنها من
المعاهدات التي يمتد آثارها إلى الدول غير الأطراف فيها باعتباره ا أنها
تخدم الصال ح العام للجماعة الدولية وأنه بمقدور الدول التي اشتركت فيها أن
تلزم الغير باحترامها
ولقد اكتسبت المعاهدا ت الإنسانية أهمية وقيمة جعل لها تأثيرها الذي
امتد إلى دول غير أطراف فيها بل وامتد إلى كافة الدول في معظم الأحيان،
كما أنها تولد أساسا جديدا للإلزام عن ط ريق تحويل المبادئ القائمة إلي
قواعد مادية وموضوعية ووضع جزاءات م حددة في حالة انتهاكها وتتضمن
هذه الاتفاقيات نصوصا تعاقدية.
و مع بدء سريان الميثاق قد ظهرت في القانون الدولي الحديث قاعدة
قانونية عامة جديدة ملزمة لجميع الدول، ألا وهي مبدأ الاحترا م العالمي
لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية للجميع بلا تمييز بالنسبة للأصل أو الجنس
أو اللغة أو الدين، ونتيجة لذلك فقد أصبح من المقرر أن المسائل المتصلة
بحماية حقوق الإنسان تخرج عن نطاق الأمور المتصلة بصميم الاختصاص
- ٨٥٩ -
الداخلي للدول وتخضع لإشراف دولي، لأن مبدأ عدم التدخل في الشئون
الداخلية للدول إنما يتعارض مع مهمة كفالة الحقوق الإنسانية علي اتساع
العالم ويحول دون حمايتها، وبالتالي فان هذا المبدأ غير قابل للتطبيق في هذا
المجال، من بي ن ذل ك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة ١٩٤٨ ،.ولقد
ذهب بعض الفقهاء إلي أن الإعلان ذو قيمة أدب ية كبير ة ويعتبر ملزما قانونا
لجميع الدول أعضاء الأمم المتحدة بل وللدول غير الأعضاء فيها، إذ أنه
يعتبر مكملا لميثاق الأمم المتحدة الذي فرض احترام حقوق الإنسا ن تجاه
كافة الدول، إن الإعلان يكتسب طابع قاعدة شبه قانونية تجاه كافة الدول،
وبهذا يمارس تأثيره الكبير علي الرأي العام العالمي .
وكذلك الاتفاقيا ت المتعلقة بقواعد الحر ب ويأتي في مقدمته ا اتفاقيات
جنيف الأربعة لسنة ١٩٤٩ ، حيث اتسمت هذه الاتفاقيات بصفة العالمية حيث
طورت كثير من المبادئ الواردة في القانون العرفي الدولي ولقد حظيت
اتفاقية جنيف الرابعة المبرمة في ١٢ أغسطس سنة ١٩٤٩ باهتمام أكبر مما
نالته الاتفاقيات الأخرى ونتيجة لتكرار تطبيق قواعد اتفاقيات جنيف بواسطة
معظم الدول بما فيها الدول غير الأطراف فيها التى تلجأ إلي هذه الاتفاقيات
لما تتضمنه من قواعد إنسانية جاءت لصالح كافة البشرية بدون تمييز، فإن
قواعد هذه ا لاتفاقيات أصبحت من قواعد القانون الدولي العرفي الملزم لكافة
الدول.
ويحدد شكل ومضمون النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
طبيعته القانونية، وهي طبيعة قانونية مزدوجة، فهو معاهدة دولية جماعية من
ناحية، وذو قيمة إنسانية من ناحية أخري، فهو لا يكتفي بترتيب ا لالتزامات
في مواجهة الأطراف وإنما يحقق تنظيما للمجتمع الدولي وينشئ فيه قيمة
إنسانية تكفل صيانة السل م والأمن الدولي وعدم إفلات المجرمين من العقاب
- ٨٦٠ -
مهما تقادمت جرائمهم ومهما كانت قوة موازيين القوي التي تحميهم في
ظرف زمني معين يحتكم إلى الازدواجي ة، لأن المبادئ الت ي يتضمنه
والأهداف التي يتغياها إنما تمثل الآمال التي تتطل ع إليه ا كل شعوب الأرض
إلي تحقيقها ،وذلك بوضع حد للجرائم الدولية التي ذهب ضحيتها الملايين من
أرواح البشر وأوجد قضاء دولي دائم يلوح في أفق أي من تسول له نفسه
بارتكاب جرائم دولية وأن مصيره سيكون كمصي ر العديد من رؤساء الدول
والحكومات التي تمثل الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية.
رابعاً: وحول مسألة تحريك الدعوى من مجلس الأم ن، فالمحكم ة -
في هذه الحال ة- لها أن تمارس اختصاصها حتى وإن لم توافق الدول
الأطراف على تلك الممارسة ، وكذلك لو كانت الدولة ذات العلاقة بالقضية
ليست طرفًا في النظام الأساس ي. فهو إذًا إختصا ص ينسجم مع فكرة أن
تصبح المحكمة الجنائية الدولية لها صفة العالمية بحيث يمتد إختصاصها
ليشمل جميع الدول سواء الأطراف في ميثاق روما ١٩٩٨ م أو الدول غير
الأطراف وهو ما حدث فعلا عبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٥٩٣
بتحويل قضية دارفور بالسودان إلي المحكمة الجنائية الدولية وكذلك قرار
مجلس الأمن رقم ١٩٧٠ بتحول القضية في ليبيا إلي المحكمة الجنائية الدولية
مع أن كلا من السودان وليبيا ليست طرفا من النظام الأساسي للمحكمة
الجنائية الدولية وإن كانت مثل هذه الإحالات تتحدى إرادة الدول،وفيها خروج
عن نطاق المبدأ الدولي التقليدي المعروف بنسبية أثر المعاهدات،وعدم
انصرافها إلى الدول التي لم تقبل به ا. إلا أن يمكن المحكمة كهيئة قضائية
دولية من ممارسة إختصاصها علي مجمل الجرائم التي تقع علي كافة الأقاليم
تحقيقا لهدف أسمي هو الحد من الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان ووضع
لحد للإفلات من العقاب وبصدد الماد ة( ١٦ ) من النظام الأساسي،وجدنا أن
- ٨٦١ -
النص قد َف  وض مجلس الأمن صلاحية وقف إجراءات التحقيق أو المحاكمة
لمدة سنة قابلة للتجدي د.وحيث أن المجلس جهة دولية تسيطر عليها
الاعتبارات السياسية في الغال ب،لا العدالة القانونية ، فإن اتخاذ مثل هذا
القرار،من شأنه إثارة الشك حول نزاهة وحيدة التحقيقات والمحاكمات
الجنائية الدولي ة.وهو أمر منتقد،لذلك كانت دعوتنا إلى إعادة النظر بالنص
المذكور، تفاديُا لحالة العدالة الانتقائية التي كانت سائدة في القضاء الدولي
الجنائي في المرحلة ال تاريخية السابق ة.وكذلك منح مجلس الأمن سلطة تحديد
وقوع العدوا ن وإمكانية بدء التحقيق أو المقاضاة أو إرجائها لفترة زمنية
تتحدد باثني عشر شهرا قابلة للتجديد يمثل قيدا علي عمل المحكمة في
مباشرة إختصاصها، بحيث يج علها غير قادرة علي ممارسة هذا الاخت صاص
ما لم يقرر مجلس الأمن ذلك.
وكذلك تمسك الدول الكب رى بحق الفيتو في مجلس الأمن في تحديد
المسائل التي يتعين إحالتها إ لى المحكمة ينال من استقلاليتها، كما يمكن أن
يعرقل إجراءات المحكمة ويحول دون تناولها جميع الذين يرتكبون جرائم
دولية وبالتالي يهئ لهم فرصة الإفلات من العقاب .
أن مجل س الأم ن قد فشل في معالجة قضايا كثيرة لعدوان ساف ر
كالعدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة سنة ٢٠٠٨ م و المتكر ر ٢٠٠٨
وكالأوضاع السارية الآن في كل من سوريا واليمن بما تشهده من مذابح
وقتل وتشريد وهي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية و ” كعدوان
أمريكا علي ليبيا ١٩٨٩ م ” نظرا لتأثر قراراته بمصالح ومواقف بعض
الأعضاء الدائمين، فقرارات المجلس انتقائية وتتبع معيارا مزدوجًا.
وبالتالي فليس هناك ضرورة لقيام صلة بين مجلس الأمن
واختصاص المحكمة فيما يتعلق بالعدوان لأن مجلس الأمن مفوض بمقتضى
- ٨٦٢ -
الفصل السابع من م يثاق الأمم المتحدة أن يقرر في أمر وقوع العدوان حيث
أنه يضطلع بدور سياسي وليس له أي سلطة اختصاص قضائ ي أن مجلس
الأمن قد يكون مصدرا للمعلومات المقدمة للمحكمة بخصوص وجود حالات
تنطوي علي عدوان ولكن لا يكون هو المصدر الوحيد، ولذا ينبغي ألا يكرر
الخطأ المرتكب في مؤتمر سان فرانسسكو عام ١٩٤٥ م بربط المحكمة
الجديدة بأجهزة الأمم المتحدة مثل محكمة العدل الدولية أن منح مجلس الأمن
مثل هذه السلطة يعتبر قرارا لا أساس له في القانون، ذل ك أن أي معاهدة
لإنشاء محكمة دولية تتضمن بنودا تخضع الأنشطة القضائية للمحكمة
لقرارات تتخذها هيئة أخري، تعتبر غير متوافقة مع المادة ٥٣ من اتفاقية
فيينا لقانون المعاهدات والتي تقضي أن أي معاهدة تتعارض عند إبرامها مع
المعايير القطعية للقانون الدولي – القواع د الآمرة – تعتبر باطل ة، وبالتال ي
فان إخضاع اختصاص المحكمة لما يقرره مجلس الأمن سوف تخالف مبدأ
استقلال السلطة القضائية وحق كل شخص في المحاكمة أمام محكمة مستقل ة،
وهي ذات المعايير الوقائية ال تي جاءت في المادة العاشرة من الإعلا ن
العالمي لحقوق الإنسان، والمادة ١٤ من العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية، والفقرتين ( ١و ٢) من المبادئ الأساسية لاستق لال السلطة
القضائية التي أقرتها الجمعية العامة في ١٩٨٥ م.
إن فرض دور لمجلس الأمن فوق دور المحكمة يؤدي إلى تأسيسها
ويغل يدها حال إبداء أحد الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن لحق الفيتو النقض
علي إحالة العدوان إلى المحكمة الأمر الذي يترتب عليه تحريف العدالة، أن
العدوان قضية موضوعية ينبغي أن يترك للمحكمة تقرير وقوعه من عدمه،
لاسيما وأن ميثاق الأمم المتحدة لم يمنح مجلس الأمن احتكار سلطة تقرير أن
فعلا عدوانيا قد ارتكب.
- ٨٦٣ -
خامسًا: كما تطرقنا إلى محاولة الولايات المتحدة الأمريكية استغلال
المادة ( ٩٨ ) للمناورة والالتفاف على أح كام النظام الأساسي،من خلال عقد
اتفاقيات ثنائية مع الدول الأطراف ، تمتنع فيها عن تسليم رعايا الولايات
المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية . والتي انقسم الفقه بشأنها،فمنهم من قال
بأحقية الدول في إبرام مثل هذه الاتفاقيات مع الولايات المتحدة أو مع غيرها،
لأن ا لمادة ( ٩٨ ) توفر الغطاء القانوني لذلك، في حين ذهب البعض الآخ ر-
بحق-إلى أن المادة ( ٩٨ ) لا تجيز عقد مثل هذه الاتفاقيات ، فهي تتنافى مع
مجمل أحكام النظام الأساسي ، وتجيز للدول التنصل عن التزاماتها بموجبه
بنا  ء على اتفاقيات لاحقة عليه، وإن تفسير المادة ( ٩٨ ) على النحو الذي يجيز
ذلك هو تفسير خاطئ،وبالتالي، فإن التصديق على مثل هذه الاتفاقيات يضع
الدولة المعنية موضع انتهاك للقانون الدولي، وتجعل الدول الأطراف
تخالف التزاماتها بموجب نظام روما الأساسي.
ووفقًا للماد ة ( ٣٢ ) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، يمكن اللجوء
إلى وسائل تكميلية لتفسير معاهدة ما،لاسيما بالرجوع إلى الأعمال
التحضيرية واسترجاع الظروف التي تم إبرام المعاهدة المعنية في
ظلها،وذلك إذا ما كان تفسير المعاهدة بشكل محدد قد يؤدي إلى ” نتيجة
يظهر بشكل سافر أنها منافية للعقل ومخالفة للصواب ”.وبما أن من شأن
الاتفاقيات المبرمة على ضوء تفسير الولايات المتحدة الأمريكية لأحكام المادة
٩٨ )،أن تسفر عن مثل هذه النتيجة،فإنها ستسمح أيضًا لبعض الدول من )
غير الأطراف بانتهاك المبدأ الجوهري الذي يقوم عليه نظام روما
الأساسي،ومفاده أن اختصاص المحكمة ينطبق على أي شخص أّيًا كان ت
جنسيته إذا ارتكب إحدى الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة على
أراضي دولة طرف في النظا م.و الهدف العام للمبدأ المتقدم هو رفع جميع
- ٨٦٤ -
الحصانات استنادا إلى الماد ة( ٢٧ ) منه، من أجل التوصل إلى تقديم المسئولين
عن ارتكاب هذه الجرائم الخطرة إلى العدالة في كل الأحوال،أ ما على يد
الدول أو ً لا،أو باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية َ ك  حلٍّ أخي ر.لذلك فإن أي
اتفاق يمنع المحكمة من ممارسة دورها، باتخاذ الإجراءات الضرورية،
عندما تفتقر الدولة المعنية إلى القدرة اللازمة أو إلى الرغبة في القيام
بمسؤوليتها، ي  عد بمثابة حكم على النظام الأساسي بالفشل في تحقيق هدفه
والوفاء بغرضه.
سادسا: وبشأن علاقة المحكمة بجمعية الدول الأطراف، قلنا بأن
للمحكمة طبيعة متميزة بوصفها محكمة دائمة، ومستقلة ، أُنشئت بموجب
اتفاقية دولية ، لذلك نصت المادة ( ١١٣ ) من نظامها الأساسي على إنشاء
جهازٍ خاص يدعى ب ”جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساس ي”،
يتولى بشكل أساس،مهمة الإشراف العام على المحكمة وَت  ولِّي أمورها
التشريعية والمالي ة.وما أن دخل النظام الأساسي حيز التنفيذ،حتى عقدت
١٠ أيلول سنة ٢٠٠٢ ،واعتمدت نظامها - الجمعية أول دورةٍ لها من ٣
الداخلي،الذي ينظم أعمالها بالتفصيل.
تلك الاختصاصات الهامة دفع البعض إلى أن يصفها بأنها ”  مديرة
المحكمة مثلما تدير الجمعية العامة شؤون الأمم المتحد ة”،و وصفها آخر بأن
لها دورًا يشبه إلى حد ما ”مجلس القضاء الأعل ى” في بعض التشريعات
الوطنية،و وصفها ثالثٌ بأنها ”تختص بحق امتياز  م  عين يتضمن انتخاب
قضاة المحكمة والمدعي العام والمُ  س  جل،علاوًة على مراجعة الميزانية
وتصديقها،ومنح الدعم للمحكمة،بما يشمل القدرة على التعامل مع الدول
الأطراف،بالإضافة إلى سلطتها في إنشاء قواعد العمل الداخلي للمحكمة،وأن
الكثير من المنظمات المنشأة بموجب اتفاقية تنص على مثل هذا النظام الذي
- ٨٦٥ -
يحكمها”.وقلنا بأننا إذ ُنقِر بوجود بعض الشبه بين جمعية الدول الأطراف و
بين تلك الأجهزة،إلا إننا لا نؤمن باختزال دور جمعية الدول الأطراف بهذا
التشبيه أو ذاك،لأن أيًا منها لن يعطينا صورة جامعة مانعة لجميع الجوانب
المتعلقة بجمعية الدول الأطراف.
فالجمعية ”وإن لم تكن جهازًا من أجهزة المحكمة،كما إنها ليست –من
الناحية القضائي ة-جهازًا يفوقها أو أعلى منها إلا أنها مع ذلك ذات ارتباط
وثيق بالمحكمة من الناحية الإدارية والمالية العامة،فض ً لا عما لها من
صلاحية تعديل النظام الأساسي وق واعد الإجراءات والإثبات وعناصر
الجريمة بما في ذلك القواعد المتصلة بالآليات الإدارية والمالية لعمل المحكمة
”،وهو ما يعني صلتها الوثيقة بالنظام القضائي أيضًا.
سابعاً: وحول علاقة المحكمة بدول العالم، قلنا أن الفضل في إنشاء
المحكمة هو إرادة الدول الأطراف،ولذلك فمن الطبيعي أن تكون للمحكمة
علاقة وثيقة مع تلك الدو ل.وحيث أن للمحكمة شخصية قانوني ة دولية، ولها
من الأهلية القانونية ما يؤهلها لممارسة وظائفها وتحقيق مقاصدها، فإن
ممارسة المحكمة لأعمالها يتطلب منها إقامة علاقات أكثر سِع ً ة لتشمل دول
العالم الأخرى،فلها أن ت عقد اتفاقيات معها،بما يمكنها من ممارسة وظائفها
واختصاصاتها في أقاليم تلك الدو ل.كما أن الفقر ة ( ٥) من المادة ( ٨٧ ) من
النظام الأساسي يمنح المحكمة الإمكانية في أن تعقد مع تلك الدول اتفاقيات
وترتيبات خاصة للتعاون معها والاستجابة لطلبات المساعدة القضائية المقدمة
من قبلها،بالإضافة إلى أن الفقرة ( ٣) من المادة ( ١٢ ) من تجيز للدول غير
الأطراف قبول ممارسة المحكمة لاختصاصها بصدد قضية معين ة. وهكذا فإن
علاقات المحكمة يمكن أن تمتد لتشمل دول العالم كافة.
- ٨٦٦ -
وهكذا فإن الدول الأطراف والدول التي تعقد اتفاق مع المحكمة،
ستحتاج إل ى تشريع قوانين وطنية وإجراءات مناسبة ، لتمكينها من الامتثال
لجميع طلبات المساعدة من المحكمة،وينبغي أن تكون تلك القوانين
والإجراءات من المرونة بدرجة تكفي للامتثال لأي إجرا ء يصاحب
الطلب،وعلى تلك الدول إقامة أسلوب َف  عال في التواصل مع المحكمة لتسوية
أيةِ مشاكل قد تنشأ حول طلبات المساعدة تلك. كما ستحتاج الدول الأطراف
إلى تشريع قوانين تسمح للأشخاص الذين ُتحددهم المحكمة بالحضور
والمساعدة في عملية التنفيذ، بعد أن تكون قد تمت استشارة الدولة الطرف.
من ناحية أخرى على الدول أن تكون مستعدة لتحمل التكاليف العادية
لتنفيذ مضمون الطلبات في إقليمها ، باستثناء التكاليف غير العادية فتتحملها
المحكمة .
ثامنا: وبصدد تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة وجدنا أنه مرهون
بالدول الأطراف أو الدول المعنية الأخرى بذل ك.بهذا المعنى فإن المحكمة
الجنائية الدولية، ولأنها تفتقر إلى وسائل مباشرة لتنفيذ الأحكام القضائية
الصادرة عنها،فإنها وفي سبيل سد هذا النقص،تتخذ من النظم القانونية التي
تنص عليها الدول الأطراف المعنية،والآليات التي تستخدمها،كوسائل لتنفيذ
الأحكام الصادرة عنها، سواء أكانت عقوبات سالبة للحرية،أم عقوبات مالية
كالغرامة والمصادرة ، بالإضافة إلى الجزاءات المدنية المتمثلة بجبر أضرار
المجني عليه .
تاسعا: نصت المادة الأولي من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية
الدولية علي أن ”المحكمة هيئة دائمة لها سلطة لممارسة اختصاصها علي
الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي وقد يوحى
إطلاق ”مصطلح الأشخا ص” إلي أن ه يتسع ليشمل الشخص الطبيعي والشخص
- ٨٦٧ -
المعنوي ”الاعتباري” بما فيه أشخاص القانون الدولي إلا أن هذا الإيحاء
سرعان ما يتبدد ويزول بقراءة المادة ٢٥ من النظام حيث يبين أن إختصاص
المحكمة لا يكون إلا علي الأشخاص الطبيعيين، لأن إسناد المسئولية ا لجنائية
الدولية إلي الدول أو إلي الأشخاص الدولية عموما لم يحظ علي التأييد حتى
الآن بالإضافة إلي اختلاف النظرة إلي المسئولية الجنائية للأشخاص
الاعتبارية في قوانين الدول المختلفة، فبعض الدول كأمريكا وبريطانيا
وفرنسا تقبل بفكرة المسئولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية، وذلك خلافا
لبعض القوانين الأخرى التى لا تقبل المسئولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية
مثل بريطانيا وألمانيا وأسباني ا وبذلك فقد حسم النظ ام الأساسي للمحكمة
الجنائية الدولية واحدة من أهم المشاكل التى أثيرت عند إعداد مشروع النظام
الأساسي وهي التى كانت تتع لق بالمسئولية الجنائية للأشخاص الإعتباري ة
فالمسئولية الجنائية عن الجرائم التى تدخل في اختصاص المحكمة لا يمكن
أن تقع إلا علي الإنسان الطبيعي، والشخص الذي يرتكب الجريمة يكون
مسئولا عن هذه الجريمة بصفته الفردية ،ومادام الأمر كذلك بأن المسئولية
الجنائية لا تقع إلا علي الأفراد ؟؟ فلما يستثني الأفراد من تحريك الدعوي
الجنائية الدولية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبذلك تكتمل الطفرة الحلم في
عمل المحكمة نحو قضاء جنائي دولي عادل علي غرار المحكمة الأوربية
لحقوق الإنسان .
عاشرا: لقد حرص واضعوا النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
علي سيادة الدول فيما يقع علي اقليمها من أفعا ل، ولقد اعتبرو ا أن ولاية
المحكمة الجنائية الدولية علي تلك الجرائم تكون مكملة للقضاء الجنائي
الدولي، أن الإختصاص بنظر الجرائم الدولية المعاقب عليها إنما ينعقد أولا
للقضاء الوطني فإذا لم يباشر هذا القضاء اختصاصه بسب عدم الرغبة في
- ٨٦٨ -
إجراء هذه المحاكمة أو عدم القدرة عليها يصبح اختصا ص المحكمة
(المحكمة الجنائية الدولية) منعقدا لمحاكمة المتهمين.
ولقد رفض المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الإجراءات
القضائية التي قامت بها الحكومة السودانية في التحقيق في ق ضايا دارفور
والتي أحالها مجلس الأمن الدولي إلي المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار
١٥٩٣ وعند إستناد الحكومة السودانية إلي أحقية القضاء السوداني بالنظر
في الجرائم التي وقعت في دارفور باعتباره القضاء الوطني صاحب
الإختصاص الأصيل، رفضت المحكمة الجنائية الدو لية هذه الإجراءات
وقضت أنها لا تتسق مع مفهوم العدالة الدولية وأنها ما هي إلا محاولة
للتشويش وحماية المتهمين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .
ولقد جاء النص علي مبدأ الاختصاص التكميلي لمحكمة الجنائية
الدولية في الفقرة العاشر ة من ديباجة النظام الأساس ي وبالتالي فان النظام
الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد أعطي الأولوية للقضاء الجنائي الوطني
في الفصل في الجرائم، فان لم تتمكن المحاكم الوطنية من الفصل في هذه
الجرائم، فإن الاختصاص في نظر هذه الجرائم سوف ينعقد بصفة احتياطية
للمحكمة الجنائية الدولية كما أن اختصاص ا لمحكمة الجنائية الدولية ينعقد
بغرض تجنب إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب وذلك في حالتي ن،
الأولي عدم قدرة الدول ” القضاء الوطني ” علي القيام بإجراءات التحقيق
والمحاكمة والثانية حالة قيام القضاء الوطني بممارسة اختصاصاته بطريقة
صورية، وذلك للتستر علي مر تكبي هذه الجرائم، ومساعدتهم علي الإفلا ت
من المسئولية الجنائية عنها.
والغرض من تبني هذا المبدأ تأكيد مسألة السيادة الوطنية للدول علي
ما يقع في إقليمها أو يرتكب من رعاياها من جرائم تم تعري فها في قانون
- ٨٦٩ -
المحكمة إن هذا المبدأ جلب تأييد غالبية الدول المشاركة في مؤتمر روما،
وبحيث يري الكثيرون أنه لولا تبني هذا المبدأ لما كانت غالبية الدول
المشاركة في مؤتمر روما لتوافق علي اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
وبالتالي فإن ه عند ارتكاب أي من الجرائم الدولية المنصوص عليها
في ميثاق روما فإن المحكمة لا تتمتع باختصاص تلقائي للنظر بهذه الجريمة
ومحاكمة مرتكبيها وإنما تحتفظ النظم القضائية الوطنية باختصاصها الأصيل
في هذا الصدد، وبالتالي ففي مثل هذه الحالة يتعين علي الدولة التي أجرت أو
كانت تجري التحقيق أو المقاضاة أن تبلغ المحكمة بما قامت به أو تقوم به
مع رعاياها أو مع غير هم في حدود ولايتها القضائية فيما يتعلق بالأفعال
المجرمة، وللمدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يطلب من هذه الدولة أن
تبلغه بصفة دورية بالتقدم المحرز في التحقيق الذي تجريه وبأية مقاضاة تالية
لذلك ويجب علي الدولة أن ترد علي ذلك دون تأخير ولا موجب له.
فإذا قامت السلطات الوطنية بواجبها علي الوجه الأكمل فإن
إختصاص المحكمة الجنائية الدولية لا ينعقد في مثل هذه الحالة أما إذا فشلت
السلطات الوطنية أو تقاعست عن القيام بمثل هذه الالتزام فإن اختصاص
المحكمة ينعقد عندئذ.
الحادي عش ر: إن جل ما حصلت عليه القضية الفلسطين ية من العدالة
الدولية هو تشكيل لجنة تحقيق دولية صادرة عن مجلس حقوق الإنسان للأمم
المتحدة والذي أقر بوجود جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ترتكبها القوات
الإسرائيلية في مواجهة السكان المدنيين بقطاع غزة في حرب ٢٠٠٨ م، حيث
تم التصويت علي هذا التقرير والمعروف بتقر ير جولدستون داخل مجلس
حقوق الإنسان وتم رفعه لي الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم التصويت
لصالح التقرير بأغلبية ١٤٤ دولة، إلا أن الأمر أنتهي عند هذا الحد، ولم
- ٨٧٠ -
يتخذ أي جراء لاحق لا من قبل مجلس الأمن الذي ينظر بازدواجية في هذا
الموضوع ووقوف دول عظمي تملك حق ال فيتو في مواجهة المجازر
الإسرائيلية علي الشعب الفلسطيني الأعزل، ولا من قبل المحكمة الجنائية
الدولية التي تنتظر قرار بالإحالة من مجلس الأمن، ولم يتحرك بالمقابل
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية علي الرغم من قبول السلطة الوطنية
الفلسطينية لاختصاص المحكمة، ولكن يبدو أن هناك رفض لهذا الاختصاص
لعدم تمتع السلطة الوطنية الفلسطينية بصفة الدولة وهو ما يؤكد تواصل
العدوان علي الشعب الفلسطيني ،إلا إذا سمح مجلس الأمن بالإحالة.وبما أن
الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن تملك حق النقض (الفيت و)
فسيكون بإمكان أ  ي منها فرض إرادته بهذا الخصوص فإذا اتفقت الدول
الأربعة عشر في مجلس الأمن على أن الحالة المعروضة عليه يمكن إحالتها
إلى المحكمة الجنائية الدولي ة،إلا أن أحد الدول دائمة العضوية استخدمت حق
النقض (الفيتو) فإن استخدامه يعني الحيلولة دون إمكانية المحكمة من
استخدام صلاحيتها تجاه الحالة المعروض ة.وعندئذ سنعود إلى عدالة
المنتصر، أو إلى العدالة الانتقائية التي من شأنها إفلات بعض مرتكبي
الجرائم الدولي ة من المساءلة والعقاب –وخاصً ة إذا ما تعلق الأمر برعايا
الدول دائمة العضوي ة-هو اتجاه يتنافى والأهداف التي من أجلها أُنشئ ت
المحكمة.
كما أن هذا الأمر من شأنه أن يطْ  رح إشكالية عملية، مقتضاها أنه إذا
أخفق مجلس الأمن في إصدار قرار بشأن الإحالة لسبب أو لآخر،فكيف يتم
 حلُّ هذه المشكل ة وهنا نتقدم بمقتر ح بهذا الخصوص وهو العودة إلى قرار ”
الاتحاد من أجل السلا م رقم ٣٧٧ ” الذي  صد  ر عن الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام ١٩٥٠ بنا  ء على طلب الولايات المتحدة آنذاك ، والذي يمنح
- ٨٧١ -
الجمعية العامة للأمم المتحدة  حقَّ الحلول محل مجلس الأمن،إذا لم يتمكن
الأخير من التصدي لمسؤولياته بسبب استخدام أحد أعضائه الدائمين حق
النقض (الفيتو) – وقد استخدم ه ذا القرار في العدوان الثلاثي على مصر إلا
أن هذا المقترح الذي تقدمت به سوريا،  رفِض بِ  حجة أن الظروف الدولية
الراهنة تختلف عن الظروف التي اتخذ فيها ذلك القرار .
وختامًا...وبعد أن أصبح النظام الأساسي أمرًا واقعًا ، وحقيقة
ثابتة،وحالة دائمة،فسيكون القانون الجن ائي الدولي،أمرًا مقبو ً لا في
العالم،وجز  ء من الحياة العامة